بَدَأَت اللُعبة: إحداث ثَورةٍ في التِجارةِ الالكِترونية مِن خِلالِ قوة اللوعبة 

مهند منجد

خبير تسويق أقدم


كَخَبيرٍ في استراتيجياتِ التَسويق بأكثرِ من خَمسةَ عَشرَ عاماً مِنَ الخِبرة قضيتها في دَمجِ تِقَنياتِ التَسويقِ المُبتَكَرة، شَهِدتُ بِنَفسي القوةَ التحويلية للــلوعبة (أو كما يطلق عليها "التلعيب") في هذا القَطاعِ الديناميكي. مِن تَعزيزِ مُشارَكةِ العُمَلاءِ إلى تَحسينِ استراتيجيات التَسويقِ المُعتَمَد على البيانات، قلبت اللوعبة مفاهيمنا عن التَسَوقِ عَبرَ الإنترنت.


في هذا المَقال، سأُسرد دروساً استخلصتها من رِحلتي، مُستَكشِفاً كَيفَ أعادَ مَفهومُ اللوعبة تَشكيل التِجارةِ الإلكترونية.


أولاً، فلنكتشف معنى اللوعبة.

تَخَيل أنكَ تَدخُلُ عالمَ التِجارةِ الإلكترونية، حَيثُ تأخذك كلُ نَقرةٍ في مُغامَرَةٍ تغمرها ذكريات ألعابكَ المُفَضَلة. تَصور أنك عندما كنت طِفلٍاً أو حَتى مؤخَراً، صارت احدى الألعاب شغلك الشاغل، تخيل تلك اللعبة التي أسَرَت لُبك وأثارت حماسك. استذكر الإِثارةَ التي كانت تغمرك عندما تجتاز مهمةً صعبة، أو تفتح مُستَوىً جَديد، أو الفخر الذي ينتابك عِندَ جَمعِ المكافآتِ والعُملاتِ لتُبادِلَها بِخصائص إِضافية. تعتبر هذِه العناصِرُ والمَهام والأَهداف والمُكافآت والمَجموعات قلب اللعبة النابض ونواتها.


تَصور الآن هذهِ العناصر ذاتَها وهي تحوك طريقها في نسيج التسوق عبر الإِنتِرنِت. لا يَعني هذا تَحويلَ التَسَوقِ إلى لعبةٍ بَل يَعني استِغلالُ جاذِبيةِ الألعاب لِتحويلِ كيفيةِ تفاعلِ الزَبائِنِ مَع التجارةِ الإلكترونية من خِلالِ دَمجِ تَجرِبةِ التسوقِ الرَقمية بِهذهِ العَناصِرِ المُشابِهة للألعاب، فنَحنُ لا نَبيعُ المُنتَجات فَحَسب بَل نَخلِقُ رِحلةً مُشَوِقَةً لها. هذا الدمج المُبتِكر هو جَوهَرُ اللوعبة في التِجارةِ الإلكترونية، إذ هي طَرِيقَةٌ لجَذبِ الزبائنِ وتَحويلِ سِلوكهم في التَسَوقِ. مَرحَباً بِكُم في عالمٍ يغمرك فيه مع كل شِراءٍ شعور بتحقيق إنجاز، وكلُ زيارةٍ تمثل تحدياً جديداً يجب اجتيازه. هذا هو مُستَقبَلُ التَسَوق: مُشَوقٌ، مُجزٍ، ومُمتِعٍ متعةً لا تُقاوم.


من فَعَلَ ذلك؟

في رأيي المُتَواضِع، ‏دوولينجو (Duolingo) هُم خَيرُ مِثالٍ على دَمجِ اللوعبة في عَمَليةِ التَعَلُم الإلكتروني، وجَنَو بِفَضلِهِ مِئاتَ الملايين مِنَ الدولارات. تَحَوَلَت مِنَصةُ تَعليمِ اللُغاتِ، والتي غالِباً ما تَكونُ مَهامُها مُضجِرَةً، إلى مُغامَرةٍ مُثيرةٍ. كُلُ دَرسٍ هو مهِمةٌ، وكُلُ مهِمةٍ هي خُطوةٌ أقربُ إلى الإتقان، والرِحلةُ مِليئةٌ بِالمُكافَآت، والنِقاط، والمُستَوَيات. هذه البيئةُ الشَبيهةُ بالألعابِ تَبني تَعَلُقاً لدى الطُلاب، تُحَوّلُ الجُهدَ التَعليمي الفردي إلى تَجرُبةٍ تفاعُليةٍ ومُسلية.


يدمُجُ ‏دوولينجو (Duolingo) بدهاءٍ مَفهومَ "سِلسِلةُ التَفاعُلِ اليومي" هذه المِيزةُ تُحفزُ المُستَخدِمينَ للتفاعُلِ مَع التَطبيقِ بِشَكلٍ يوميٍ ويعَزِزُ عادَة الدِراسةِ المُنتَظَمة. كُلما زادت فَترةُ السِلسِلةِ دونَ انقطاعٍ، زادَ شُعورُ المُستَخدِمِ بالإنجاز. لأولئكَ الذينَ يَرغَبونَ في الاستِمرارِ في السلسلة اليومية دون انقطاع، يقدم ‏دوولينجو ميزاتٍ مَدفوعةٍ داخِلَ التَطبيق، دامجاً بِدَهاءٍ استراتيجيةِ تحقيق الربح مَعَ تَجرِبةِ المُستَخدِم.


تَتَجَلى عَبقَرِيةُ ‏دوولينجو الحَقيقية في تَداخُلِ مَفهومِ اللوعبة مَع نَموذَجِها الرِبحي. فالتَطبيقُ، رُغمَ أنَهُ مَجاني، يُقَدِمُ ميزاتٍ مُتَمَيزة تُعَززُ تَجرِبَةَ المُستَخدِم. مِن إِزالةِ الإعلاناتِ إلى إصلاحِ سِلسِلةِ التَفاعُل، تضفي هذهِ الميزات قيمةً للمستخدمِ وتُسهِمُ اسهاماً كَبيراً في تَدَفُقِ الإيراداتِ إلى ‏دوولينجو.


يعتَقِدُ البعض أن هذا المفهومَ الرقمي اللعبي سَيَنجَحُ فقط في الشَرِكاتِ التعليمية مثل ‏دوولينجو، ولكن هل هذا الاعتقادُ صحيحٌ؟


يَعكِسُ دُمجُ إيكيا (IKEA) لِمَفهومِ اللوعبة في عملها التِجاري التجرِبَةَ المُشَوِقة التي انتَشَرَت بِفضلِ لُعبَةِ الهاتِفِ المَحمول Pokémon GO وبِشَكلٍ مُماثلٍ لِما حَقَقَتهُ لُعبة Pokémon GO مِن ثورةٍ في عالمِ الألعابِ مِن خِلالِ دَمجِ العالمِ الافتِراضي مَع المُحيطِ الفِعلي، استَفادت إيكيا مِنَ الواقِعِ المُعَزز في تَطبيقِ IKEA Place في تَغييرِ تَجرِبةِ تسوقِ الأثاث.


يسمحُ هذا التطبيق للزبائِنِ بوضعِ قطعِ الأثاثِ افتِراضياً في مَنازِلِهم، بِشَكلٍ مُشابِهٍ لتَجرِبَة Pokémon GO حَيثُ يَقومُ اللاعِبونَ بصَيدِ الكائِناتِ الافتِراضية في مَواقعِ العالَمِ الحقيقي. مِن خلالِ اعتِمادِ هذا النهج اللَعِبي المُستوحى مِنPokémon GO ، نَجَحَت إيكيا في جعلِ تأثيثِ المَنزِلِ مُمتِعاً وعَمَلياً، مُشارَكةُ الزَبائنِ في مُغامِرةِ تَسَوقٍ تفاعُليةٍ بِشَكلٍ فَرِيد.


في سِحرِ سَردِ اللوعبة، مِنَ السَهلِ أن نَفتَرِضَ أن مِثلَ هذهِ الاستراتيجيات المُبتَكَرَة حَصريةٌ للشرِكاتِ العالميةِ العملاقة والشرِكاتِ ذات الثَرَواتِ الطائلة في العالم المُتَقَدم. ومعَ ذلكَ، يَتَجاوزُ جوهرُ اللوعبة هذهِ الحُدود، مُحاكياً سحرَها في شَبكاتِ الأسواقِ المَحَليةِ والشرِكاتِ الصَغيرة.


مثالٌ حيٌ على ذلكَ نَجِدُهُ في الأروقة المُزدَحِمة لِحينا، حَيثُ ابتَكَرَت زُقاق13، عَلامةُ مَلابِسٍ عراقية مَحَليةٍ مُزدَهِرة، وتَبَنَت مَفهومَ اللوعبة بِبَراعة.


تَبدَأُ قِصَةُ زُقاق13 مَعَ بِطاقَةٍ ذاتُ تصميمٍ مُتَواضِع وبَسيطٍ مُزَينٌ بِعَشرِ دوائرَ. في كُل مرةٍ يَشتَري فيها الزَبونُ قميصاً، يتِمُ وضعُ ختمٍ دائريُ الشَكلِ كَدَلالةٍ عَلى مستوى التَقَدُم، في خُطوةٍ لِرِحلةٍ يَحذوها الاستِكشافُ. ويَنطَلِقُ مَعَ كُلِ خَتمٍ الزَبُونُ في مُغامَرةٍ، كالأبطالِ القُدامى، حَيثُ ُيقَرِبُهُ كُلُ قميص مِن هَدَفٍ يسمو أليه.


مَعَ تَراكُمِ الأختامِ، يَخطو الزَبائِنُ في هذِهِ الرِحلةِ داِئرةً بَعدَ دائِرة، قميصاً بعد قميص. إنها رِحلةٌ مَليئةٌ بالتَرَقُبِ والإِثارة، لُعبةٌ مُتَنَكِرةٌ بِشَكلٍ ذَكيٍ داخِلَ روتينِ التَسَوق. الجائِزةُ النِهائية؟ قميص مجاني، الجائزة مُقابِلٌ للإِصرارِ والوَلاء. لَكِنَ هذِهِ المُكافِأة ليست مجَردَ قطعة ملابَسٍ بَل إِنَها رَمزٌ للإِنجازِ، وشاهِدٌ عَلى رِحلَتِهم.


هُنا يَكمُنُ سِحرُ اللوعبة، مُلَخَصٌ في قِصةِ زقاق13 فَهيَ لَيسَت مُجَرَدَ تَكتيكٍ تَسويقي وإِنَما سَردٌ مُدمَجٌ في تَجرِبةِ العَميل، يُحَوِلُ كُلَ عَمَليةِ شِراءٍ إِلى فِصلٍ مِن قِصَةٍ أكبر. هذهِ العَلامةُ التِجاريةُ المِحِليةُ، بِنَهجِها الابتِكاري، تَقِفُ كَدَليلٍ عَلى الشُموليةِ والوصوليةِ للعب. إِنها تُظهرُ لَنا أنهُ حَتى في أركانِ السوقِ المَحلية، وسطَ الوجوهِ المَألوفة والروتين اليَومي، تَزدَهِرُ روحُ اللِعب، مُحوِلَةً العاديَ إلى شَيءٍ غَيرَ عادي.



مُحتَضِنةَ مُدُنَ بَغدادَ والبَصرَةَ النابِضةَ بالحياةِ، تَألقَت جَوهَرةٌ مَحَليةٌ أُخرى، شَرِكَةُ عالسريع ، ونَجَحَت في تَحديدِ مَكانَتِها في صِناعةِ خِدمةِ طَلبِ وتوصيلِ الطَعام. هُنا، استوقَفتُ لَحظَةً، يَملئُني الفَخرُ ومُصَحِحاً ياقَتي، لأَرويَ قِصَةَ نَجاحِ فَصلٍ مِن رِحلَتي الشَخصية كَرَئيسِ تَسويقٍ في شَرِكَةُ عالسريع.


تَدورُ قِصَتُنا حَولَ بَرنامَجِ نِقاطِ وولاءِ شَرِكَةُ عالسريع، مَشروعاً أصبَحَ واحِداً مِن أكثَرِ المُهِماتِ نَجاحاً لي مع الشرِكة. هذا البَرنامَجُ لَم يَكن مُجَرَدَ خطة بَل كانَ رِحلةً دَعَونا زَبائِننا للانطِلاقِ فيها. في كُلِ مرة يَطلُبونَ فيها طَعامَاً أو مُشتَرَياتٍ، لَم يكونوا يرونَ مُجرَدَ إِشباعٍ لِرغبَتِهِم بَل كانوا يَخطونَ خُطوةً إِلى الأمامِ على طَرِيقٍ نَحوَ نادٍ حَصريٍ ألا وهو الزَبائِنُ الذَهَبيون.


الرِحلةُ بَسيطةٌ ومُثيرةٌ في الوَقتِ نَفسِهِ. مَعَ كُلِ طَلَبٍ، كانَ العُمَلاء يَكتَسِبونَ نِقاطَاً، كُلٌ مِنها خُطوةٌ نَحوَ الوصولِ إِلى الطَبَقَةِ الذَهَبية بَعدَ عَشرةِ طَلَباتٍ خِلالَ شَهرٍ واحد. ولَكِنَ هذهِ النِقاطَ كانت أكثَرَ مِن مُجَرَدَ أرقامٍ، كانَت مَفاتيحً لِكَنزٍ مِنَ المُكافَآت مِنَ قَسائِمِ الخَصم إلى خَدَماتِ التَوصيل المَجانية. عِندَما يُرقى الزَبائِنُ إلى الطَبَقةِ الذَهَبية، يَنتَظِرُهُم عالَمٌ جَديدٌ مِنَ الامتيازاتِ، حَيثُ تَزدادُ الخُصوماتُ ثَراءً وتَتَراكَمُ النِقاطُ بِسُرعةٍ أكبر.


كُشِفَ السِحرُ الحَقيقيُ لهذا البرنامج بعدَ إِطلاقِهِ. في بِضعةِ أشهرٍ فقط، شهِدت شرِكَةُ عالسريع تحولاً. شَهِدت مَبيعاتُ الشَرِكة ارتِفاعاً مَلحوظاً. لَم يَعُد زَبائِننا يعودونَ فقط، بَل كانوا مُخلِصينَ ومُشارِكينَ في السَردِ الذي صورناه. كانت النَتائِجُ شَهادةً على قوةِ بَرنامَج الوَلاء المَصقول.


تُجَسِدُ قِصَةُ شَرِكَةُ عالسريع هذهِ أكثَرَ مِن مُجَردِ قِصةٍ لاستراتيجيةِ تَسويقٍ ناجِحة، إِنها قِصةٌ عَن كَيفيةِ استِطاعة الأَعمالِ المَحَلية أَسرَ قُلوبِ عُمَلائِها، مُخلِقةً رابِطاً يَتَجاوزُ تَعامُلاتِ البيعِ والشراء. إِنها قِصةٌ أَحمِلُها بِفَخرٍ، فَصلٌ في مَسارِيَ المِهَني يَقِفُ كَتِذكارٍ بتَأثيرِ الولاءِ والمُشارَكةِ العميقة في عالمِ الأعمال.


في عالمِ التِجارةِ الإلكِترونية العِراقية الديناميكية، تُكشَفُ قِصةٌ جَديدةٌ، حَيثُ يَكونُ مفهوم اللوعبة هو بطلُها، ويحولُ تجرُبةَ التَسَوقِ إلى مُغامَرةٍ شيقةٍ. كَمُسوقٍ، شَهِدتُ هذا التَحول، رأيتُ بِنَفسي كَيفَ يُمكِنُ لإِضافةِ عَناصِرَ تُشبِهُ الألعابَ للتَسوقِ تُحَوِلُ عمليةَ الشراء الروتينية إلى مهمةٍ مثيرةٍ. يَجذِبُ هذا النهجُ الزبائنَ ويثبت ولاؤهم، مما يَضمُنُ عَودَتهم إلى مَتاجِرِنا الرقمية.


ومَعَ ذلكَ، فإِن رِحلةَ اللوعبة مُعَقَدة. يَكمُنُ التَحَدي في صياغةِ تَجاربٍ تَكونُ مشوقةً ولَكن لا تَكونُ مرهقةً، مع ضمانِ أنها تعزِزُ بَدَلَ أن تُعَقِدُ رِحلةَ التَسوق. بِالإِضافةِ إلى ذلكَ، فَمنَ الضروري تحقيق تَوازُنٍ بَينَ إِثارةِ اللوعبة واحترامِ مساحةِ العميل، وتجَنُبِ أي شُعُورٍ بالتَداخُلِ.


تَنفيذُ هذِهِ الاستراتيجيات يَتَطَلبُ أيضاً النَظَرَ الدَقيقَ في المَوارِد. في سوقِنا النابِضِ بالحياة، يُقاسُ كُلُ استِثمارٍ في اللوعبة بالعائدِ المُحتِمَل، معَ ضَمانِ أَننا نُثري عُروضَنا الرَقمية دونَ أن نَتَجاوزَ إِمكانياتنِا.


أثناء تنقلنا في هذا العَصرِ المُثيرِ للتجارةِ الرقمية في العراق، يقِفُ مَفهومُ اللوعبة شاهِد على قُدرتِنا على مَزج حكمِ السوقِ التقليدي مع استراتيجياتِ التَسويقِ الابتكارية، مِما يَخلِقُ تَجارِبَ تَسَوقٍ لا تُنسى بِقَدرِ ما هي فَعالة.

Posted in on Sunday, 1st September, 2024