الطفرة الريادية: استكشاف التحول الجذري في مشهد الأعمال العراقي
محمد جمال
رئيس تحرير مجلة بيزنس لاندسكيب
في خضم التغيير والتحديات، يمر العراق بتحول في مجال ريادة الأعمال. ما يزال البلد يكتسب زخماً كبيراً يدفع التوّجُهَ نحو تغيير واقعه من بلدٍ مُتَكِلٍ على ثروته النفطية والوظائف الحكومية، إلى بلدٍ يسنده قطاعٌ خاصٌ حيويٌ وديناميكي. إن إعادة رسم مشهد الأعمال في العراق ليست مجرد ضرورة اقتصادية فحسب، ولكنها أيضاً خطوة مهمة نحو التحول المجتمعي.
رؤية لاقتصاد يقوده القطاع الخاص
إن اعتماد العراق على النفط وقطاعه العام المترامي الأطراف واضحٌ للعيان. وفي ظل تحدياتٍ على رأسها البطالة وعجز البنية التحتية، أثبتت محركات الاقتصاد التقليدية عجزها وعدم إيفائها بالغرض. يستوقفنا هنا سؤال: علامَ نُعَلِقُ الآمال؟ والجواب هو على بناء قطاعٍ خاصٍ مزدهر. لا يستطيع القطاع الخاص قيادة البلاد نحو مستقبل مزدهر فحسب، بل يمكنه أيضاً التصدي للتحديات الكبرى التي تمس حال العراق، مثل الحاجة المُلِحَة لخلق فرص العمل.
كيف يمكننا تمهيد الطريق لقطاع خاص مزدهر؟ تكمن الإجابة في بناء بيئة ريادة أعمالٍ فعَّالة وقوية. وستقدم لنا بيئة أعمال مثل هذه حلولاً مبتكرةً ستساهم في تنمية اقتصادنا وخلق فرص عمل كثيرة. على الرغم من أنّ مسار القطاع الخاص العراقي لم يكن مماثل لنظرائه في البلدان الأخرى، إذ لم يتمكن من تبني التطورات الهامة التي حدثت خلال فترة العقوبات والقيود الاقتصادية، إلّا أنّ بيئة ريادة الأعمال تُحْدِثُ طفرةً في هذا المسار، مما يُمَكِنُ القطاع الخاص من تخطي مراحل عِدَة من التطوير الذي فاته.
وعلى الرغم من التحديات، يبرز العراق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعدة خصائص يتميز بها، منها عدد سكانه الذي يصنفه رابع أكبر البلدان سكاناً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحقيقة أنّ 60% من مواطنيه لم يناهزوا سن الخمسة والعشرين عاماً، يتمتع العراق بإمكانات هائلة للشركات التي تستهدف فئة سكانية شابة وحيوية.
بُزُوغ بيئة أعمال الشركات الناشئة في العراق
انطلقت بيئة أعمال الشركات الناشئة في العراق منذ العام 2013، وحصل فيها قفزات في أنشطة ريادة الأعمال نقلتها من مجتمعات التكنولوجيا إلى هاكاثونات الشركات الناشئة. وقد تلقت هذه المبادرات، التي رعاها وعمل عليها المتطوعون، دعماً كبيراً من الصناديق الدولية، مثل صندوق الابتكار من أجل التنمية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويشير ظهور مراكز ريادة الأعمال مثل المحطة، المركز الأول في بغداد، إلى تطور بيئة الأعمال هذه. علاوة على ذلك، فإن الإنشاء اللاحق لمُسَرِعات الأعمال وشبكات الاستثمار مثل مركز أعمال كابيتا وشبكة المستثمرين المخاطرين العراقية يشير إلى أنّ نمو بيئة الأعمال قد اكتمل وأنّها قد بلغت مرحلة النضج. وفي الوقت ذاته، بدأت الشركات الناشئة في صياغة حلول مبتكرة، ممّا مهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً في مجال ريادة الأعمال.
بدأت الشركات الناشئة العراقية في الآونة الأخيرة في الحصول على استثمارات، حتى أنّ بعضها "خرج" حيث تم الاستحواذ عليها من قبل شركات كبرى. وهذا دليل على تطور مشهد الشركات الناشئة في البلاد وهو يقدم مخططاً لرواد الأعمال المستقبليين، يرشدهم خلال رحلاتهم من البداية وصولاً إلى النجاح.
التحديات الحالية: عقبات يتحتم تذليلها
ما تزال الصِّعَاب وَالعَراقيل قائِمةً في طريق هذه الرحلة. يواجه رواد الأعمال في العراق العديد من التحديات ومن أبرزها ما يلي:
- محدودية الوصول إلى التمويل، إذْ تُمَوِلُ المدخرات الشخصية والقروض من المعارف 70% من المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مما يترك نسبة ضئيلة تبلغ 11% تعتمد على القروض المصرفية، وفقاً لما ذكرهُ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
- البنية التحتية المصرفية: يمتلك 22% فقط من العراقيين حسابات مصرفية، وانتشار البُنية التحتية المصرفية ضئيلٌ ومنحسر، ممّا يجعل من المعاملات المالية عقبة كبيرة.
- العقبات القانونية: ينطوي تشغيل الأعمال التجارية على التعامل مع نظام قانوني معقد، وتختار العديد من الشركات العمل دون تسجيل رسمي. تفتقر نسبة هائلةٌ تبلغ 39.1% من المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى الوضوح في عمليات التسجيل.
- معوقات الاستثمار: إن مفهوم الاستثمار في الشركات الناشئة هو أمر جديد في العراق. كما أن تعديل عام 2017 لقانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، والذي حدد سقف الملكية الأجنبية بنسبة 49%، يزيد من تعقيد التحدي.
- وتتراوح العوائق الإضافية بين مجموعة أسباب منها قلة المواهب، والمخاوف المتعلقة بالاستقرار، والأميّة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وعجز البنية التحتية.
الدعم العام ودعم المختصين لريادة الأعمال
تشير التطورات الأخيرة إلى إدراك متزايد داخل الدوائر الحكومية لأهمية ريادة الأعمال في النهضة الاقتصادية في العراق. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إطلاق مبادرة الحكومة لريادة الأعمال — "ريادة". تمثل هذه المبادرة احتضان واضح من الحكومة العراقية، وإظهار التزامها بتعزيز مساعي ريادة الأعمال. علاوة على ذلك، فإن إنشاء الحكومة لشبكة "ريادة" يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام. صُمِمَت "ريادة" لتحيك شبكةً وطنية من مراكز ريادة الأعمال هدفها ربط مختلف مراكز بدء التشغيل ومنظمات دعم ريادة الأعمال في جميع أنحاء البلاد. ومن خلال توحيد هذه المراكز، تسعى الشبكة إلى توفير منصة أكثر تماسكاً وتكاملاً للشركات الناشئة، مما يسمح بتبادل المعرفة وتقاسم الموارد والتعاون. تجسد هذه المبادرات التي تقودها الحكومة والقطاع الخاص حقبة جديدة من ريادة الأعمال في العراق وتؤكد على إمكانية تحقيق مستقبل أعمال أكثر إشراقاً.
عدد مجلة بزنس لاندكسيب عن بيئة ريادة الأعمال
في هذا العدد من مجلة بزنس لاندكسيب، نقدم للقراء فرصة التعرف على التطورات والمبادرات الأخيرة في بيئة ريادة الأعمال في العراق من خلال النظر بعيون الخبراء وعبر عدسات تحليلات المختصين. بالإضافة إلى ذلك، توفر ملخصات أبحاثنا فهماً جوهرياً لبيئة ريادة الأعمال وسوق الشركات الناشئة في العراق. وأخيراً، ختمنا عددنا هذا بمقابلات هيَ بمثابة شهادات حول بيئة الأعمال بأكملها من وجهات نظر لفيفٍ من الخبراء والمستثمرين ورجال الأعمال.