مقابلة لمجلة مشهد الأعمال العراقي
الدكتور حسن الخطيب
المستشار لرئيس وزراء العراق للتحول الرقمي والاتصالات
الدكتور الخطيب هو المستشار الاستراتيجي لرئيس وزراء العراق في كل شيء رقمي. وهو منصب يرفده بعقودٍ من الخبرة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة. شغل الدكتور الخطيب مناصب مرموقة في الأوساط الأكاديمية كأستاذ في جامعة سانتا كلارا في قلب وادي السيليكون في كاليفورنيا. بالإضافة إلى ذلك، خلال السنوات الـ 25 الماضية، شغل العديد من المناصب التنفيذية في مجال التكنولوجيا كمؤسس ومدير تنفيذي لشركة IP Dynamics، وهي شركة ناشئة أسسها عام 1998، وكمدير عام في شركة مايكروسوفت، حيث لعب دورًا أساسيًا في تطوير مايكروسوفت أزور. وتمتد خبرته إلى العراق، حيث عمل مستشارًا لشركة كي كارد ومستشارًا لوزير الاتصالات.
في هذه المقابلة الحصرية، يتعمق الدكتور الخطيب في مبادرات التحول الرقمي في العراق، بدءًا من نظام اوراكل السحابي المرتقب، وتوسيع مركز البيانات الوطني، والمركز الحكومي للخدمات الإلكترونية، والأكاديمية الرقمية إلى تقديم نظام وطني للتحويل بين البنوك.
ويؤكد على دور صندوق تنمية العراق في تعزيز بيئة استثمارية مواتية ويشرح بالتفصيل المنهجية المستخدمة لتنفيذه. علاوة على ذلك، فهو يقدم رؤى حول مجموعة متنوعة من المبادرات لوضع الأساس للتقدم الرقمي وتعزيز الخدمات الإلكترونية عبر المؤسسات الحكومية، مما يمهد الطريق للتحول الرقمي في العراق.
هلّا بدأنا بموجز عنكم؟
درست هندسة الكهرباء في جامعة بغداد وتخرجت منها عام 1975. وسافرت في العام الذي تلاه إلى الولايات المتحدة بعد حصولي على منحة دراسية لإكمال دراساتي العليا، ونلت هناك شهادة الماجستير من معهد إلينوي للتكنولوجيا ثم اتممت دراسة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا. بدأت التدريس في جامعة سانتا كلارا عام 1981، والتي كانت تقع في قلب وادي السليكون في كاليفورنيا. وفتح لي هذا أبواب العمل مع عمالقة التكنولوجيا وأبقاني على اطلاع دائم على تطورات هذا المجال. وكانت التكنولوجيا آنذاك ما تزال في صِباها، وكان الحاسوب الشخصي (PC) يُعَدُ تقنية جديدة.
وتقديراً لمكانة الجامعة، تبرعت شركة آي بي إم (IBM) بأجهزة كمبيوتر لأعضاء هيئة تدريسها ولمختبراتها. وأذكر أن وجودي في وادي السليكون لطالما دعم طموحي في المساهمة في عالم التكنولوجيا. حتى أتيحت لي الفرصة في نهاية عام 1997 لتطوير حل لإحدى مشاكل الإنترنت في ذلك الوقت، والتي كانت مرتبطة ببروتوكول الإنترنت من النسخة 4 (IPv4) للاتصال بين جهازين أو أكثر عبر الإنترنت.
وفي نفس ذلك العام صرت أحد المنظمين لمؤتمر حول الشبكات عالية الأداء في جامعة ستانفورد، الذي أطلق عليه أسم ندوة Hot Interconnects. وأدركت خلال عرض تقديمي حول بروتوكول الإنترنت من النسخة السادسة (IPv6)، أن التصميم الجديد لن يحظى باعتماد واسع النطاق بسبب نقص الحوافز الاقتصادية للجهة المطلوبة للترقية من IPv4 إلى IPv6. وفعلاً لم يشهد حتى اليوم IPv6 الاعتماد الواسع اللازم للتغلب على هذه المشكلة بالتحديد. إنَ استخدام IPv6 في العراق محدود للغاية، هذا إن وجد أصلاً. وأدى ذلك إلى أول براءة اختراع حصلت عليها في عام 1997، والتي كانت تدور حول تمديد فترة استخدام IPv4 لتوفير فترة زمنية لأولئك الذين لا يستطيعون الترقية إلى IPv6. لدي اليوم 74 براءة اختراع، احرزت معظمها خلال فترة عملي في مايكروسوفت (2007-2011).
أَسسْتُ في عام 1992 شركة استشارات وعملت بشكل وثيق مع شركات ناشئة وشركات كبيرة في وادي السليكون. وشيئاً فشيئاً حولتها في عام 1998 إلى شركة منتجات برمجيات تسمى IP Dynamics. تمكنت حينها بفضل اختراعي المهم ان اجمع تمويلاً لشركة IP Dynamics وجذبتُ العديد من المستثمرين. وكان أول المستثمرين فيها أحد طلابي في عامي 1982 و1983، باتريك جيلسنجر، الذي يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لشركة إنتل (Intel) العملاقة في مجال شرائح المعالجة.
في عام 2007، قمت ببيع شركة IP Dynamics إلى مايكروسوفت، بينما عينتُ مديراً تنفيذياً فيها وبعدها أصبحت مديراً عاماً لمجموعة شبكات المؤسسات في مايكروسوفت، حيث أشرفت على المنتجات المتعلقة بشبكات المؤسسات وأمن الشبكات. ترقيت بعد عام واحد إلى كبير مهندسي الشبكات والأمن الشبكي لمايكروسوفت أزور، منصة الحوسبة السحابية الرائدة لشركة مايكروسوفت واستمر ذلك حتى عام 2011، حتى قررت ترك مايكروسوفت والعودة إلى وادي السليكون، مدفوعاً بالرغبة في تأسيس شركة ناشئة أخرى تركز على تطوير نظام تعليم تفاعلي.
زرت العراق عام 2013 لمدة تقل عن أسبوع حيث التقيت بمؤسس ورئيس مجلس إدارة الشركة العالمية للبطاقة الذكية (ISC)، التي نجحت بمفردها في إنشاء سوق المدفوعات الإلكترونية في العراق من خلال نظام كي كارد للدفع الإلكتروني وقدمته لمصرِفَي الرافدين والرشيد. لقد أنبهرت كثيراً لدرجة أنني وافقت على أن أصبح المستشار الفني للشركة ومؤسسها، الأستاذ بهاء عبد الهادي. ثم أسست شركة فرعية للتكنولوجيا لشركة البطاقة الذكية الدولية في دبي عام 2014، وأدرتها حتى عام 2017.
عدت في عام 2019 إلى العراق لأصبح مستشاراً لوزير الاتصالات. اكتسبت في منصبي هذا رؤية واسعة وعميقة لحالة شبكة الاتصالات في العراق والتحديات التي تواجهها. ورُشحت في هذه الأثناء لمنصب وزير الاتصالات في أول حكومة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وأشغل حالياً منصب مستشار رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني لشؤون التحول الرقمي والاتصالات.
هلَّا عرفتنا أكثر على صندوق تطوير العراق وكيف سيسهم في دعم البنية التحتية التكنولوجية والمبادرات الرقمية في البلاد؟
أُنشأ صندوق تطوير العراق لتقديم استثمارات أولية تتراوح بين 5% إلى 10% وضمان شراء/تأجير لمبادرات الأعمال لتنمية اقتصاد العراق، يدعو الصندوق المستثمرين من جميع أنحاء العالم للاستثمار، مع تركيز متزايد على المستثمرين العراقيين. يُدعى المستثمرين للانخراط في مشاريع مصممة لتعزيز اقتصاد العراق في ست قطاعات هي التحول الرقمي، والتعليم، والإسكان، والزراعة، والتصنيع، وتغير المناخ.
بالإضافة إلى الاستثمارات الأولية، سيضمن صندوق تطوير العراق للمستثمرين استثماراتهم في العراق عن طريق ضمان شراء أو تأجير منتجاتهم وخدماتهم عند الانتهاء. سيزيل هذا الضمان الخطر من خلال تقديم ما يعادل الضمان السيادي. في هذه الحالة، يتم تعريف صندوق تطوير العراق، والمستثمر، والمقاول أو الشركة المتخصصة في مجال معين. يُمكن أن تتطور هذه الشراكة إلى شراكة عامة-خاصة أو ملكية خاصة فقط. وبمعنى آخر، قد تشمل ملكية الدولة أو فقط القطاع الخاص، ولكن في النهاية، ستُقدم الخدمات التي يحتاجها العراق. هذه هي الصيغة العامة في المجالات المالية والتجارية واتفاقيات الأعمال.
قد يدخل كيان حكومي مثل وزارة فيها لأسباب عدة، إما لمصلحة في النتائج أو بامتلاك أصول. وعلى سبيل المثال، أحد المشاريع الكبرى التي ستطلق هي تحويل الخدمات الحكومية من اليدوي والورقي إلى خدمات إلكترونية (تُعرف عموماً بخدمات الحكومة الإلكترونية). فمثلاً عملية نقل ملكية العقارات اليوم طويلة ومملة. تغطي العمليات التلقائية التي تحدث حالياً فقط الواجهة الامامية (Front end) لعملية الأتمتة فحسب، وبكلمات اخرى، يُقدم المواطن طلب خدمة بجميع الوثائق المطلوبة إلكترونياً عبر الإنترنت، وحال وصول الطلب إلى القسم الحكومي المعني، تُطبع وتُروج يدوياً، إذ أن العملية اليدوية خلف الكواليس لم تؤتمت كلياً بعد. إنها عملية أتمتة غير تامة. سنبني الواجهة الأمامية والوسيطة (منطق الأعمال) والواجهة الخلفية، حيث تُخزن البيانات. سيبني هذا مستودعات بياناتنا الفعلية في مختلف القطاعات. ستغطي الأتمتة 360 درجة تغطية دورة خدمة المواطن بأكملها.
للأسف، هناك الكثير من النقاشات العامة حول أمن المعلومات، ولكن المشكلة تكمن في عدم توفر البيانات الفعلية، والمتاحة غالباً ما تكون عامة. إنها كما لو أنك تأمن منزلك، ولكن ليس لديك أي أصول قيمة لحمايتها.
ما هي ركائز التحول الرقمي في العراق من وجهة نظركم؟
يشبه الوضع الحالي للرقمنة في العراق أي قطاع آخر مثل الزراعة أو الصناعة — فهو أمرٌ أساسه المعرفة، التي غالباً ما تكون مفقودة. لا يُمكن للعراق أن يتطور من دون نظام تعليمي حديث، يَشملُ العلوم والتكنولوجيا على كل مستوى تعليمي. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج العراق إلى بنية تحتية تُمكّن من استخدام التكنولوجيا لزيادة إنتاجية محركه الاقتصادي. تشمل البنية التحتية مراكز بيانات للحوسبة لتشغيل التطبيقات، وتخزين البيانات، وجعلها متاحة للمعالجة والمشاركة، كما تشمل أجهزة الكمبيوتر في أيدي الأشخاص في كل قطاع والتطبيقات التي تحتاج إليها لتحقيق نتائج متسارعة في قطاعاتهم، بالإضافة إلى شبكات الاتصالات البيانية ذات النطاق العريض والموثوقة لتمكين التواصل والتفاعل. يتطلّب الترقي إلى الرقمنة أيضاً الأنظمة الوظيفية للمصارف والدفع الآلي على نطاق واسع.
ما الخطوات التي ستُتخذ لتطوير البنية التكنولوجية في العراق؟
لقد وضعنا ست مبادرات رئيسية مكملة لتحويل العراق إلى مجتمع رقمي، سواء في القطاع العام أو الخاص.
إن أول مبادرة نعتزم إنجازها بحلول نهاية هذا العام هي إنشاء مراكز بيانات سحابية باستخدام نظام أوراكل السحابي في بغداد ومحافظة أخرى. اوراكل هي ثاني أكبر شركة كمبيوتر في العالم. بادر صندوق تطوير العراق لدعم هذا المشروع، وهو يقود تشكيل كيان لأغراض خاصة (SPV)، لإنشاء تحالف من الشركاء يقوده القطاع الخاص مع إمكانية مشاركة الكيانات الحكومية وتمكين الجمهور في النهاية من شراء حصص في الشركة الناتجة. ستُحضِرُ اوراكل فريقها الخاص لبناء هذه المراكز. ونعتزم في البداية بدء العمل بمركزين، واحد في بغداد والآخر في أربيل، بتكلفة مقدرة بمئات الملايين. سيمهد هذا القرار الطريق لفرص عديدة لشركات التكنولوجيا الأمريكية الأخرى للدخول إلى العراق.
عندما أسستُ شركتي في عام 1998، كان هناك أكثر من 60 صندوقاً لرأس المال الاستثماري في وادي السيليكون يُموّلون الشركات الناشئة مثل إنتل وجوجل وفيسبوك وياهو وغيرها الكثير. وكانت العوائد المالية من هذه الشركات الناشئة عالية جداً بفضل ابتكارها ونجاحها. الأمر نفسه ينطبق على صندوق تطوير العراق، الذي سيسهم اسهاماً هائلاً وفعالاً في تطوير الفرص والأفكار من خلال دعم وتشجيع المستثمرين على دخول السوق العراقية. ستسهم هذه المشاريع بالتأكيد في تطوير ونمو الاقتصاد العراقي من خلال توسيع القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك، سيساعد في تحويل التوجه إلى وظائف القطاع العام منه إلى القطاع الخاص.
تشتمل الحوسبة السحابية على أكثر من مجرد الأجهزة والبرمجيات التي تشغلها. إذ تشمل أيضاً البرمجيات المسؤولة عن إدارة التطبيقات التي تعمل على الأجهزة، وغالباً ما يُشار إليها باسم برامج التنسيق أو التوزيع الأوركسترالي.
إذا كان العمل اليوم يجري عبر جهاز واحد، يُعرف ذلك باسم تطبيقات أحادية الهيكل. وهي تطبيقات يجب ان تُشغل على خادم واحد. من ناحية أخرى، هناك تطبيقات تُعرف بالتطبيقات الجاهزة للعمل السحابي، التي صُممت للعمل على خادم واحد ولكنها قادرة على أن تُنشئ وتُستخدم عبر العديد من الخوادم في وقت واحد. لذلك، بدلاً من أن تكون مقيدة بخادم كبير واحد، تعمل عبر عدة خوادم. يُعرف هذا المفهوم بالتوسع الأفقي بدلاً من التوسع العمودي. يُشير كثيرون في العراق إلى أي مركز بيانات بأنه معتمد على السحابة، ومع ذلك، لم تدخل التقنية الحقيقية للسحابة إلى العراق حتى الآن.
ظهرت هذه المفاهيم مع التقنيات السحابية، وكانت شركة أمازون هي الرائد في هذا المجال، التي تستحق الثناء على خدمات الحوسبة السحابية (Amazon Web Services). تعد اليوم أمازون الاولى في هذا المجال وفي اعتماد مثل هذه التقنيات. ومع ذلك، يبقى النظام الذي طورناه في مايكروسوفت الأفضل. قبل عشرين عاماً، كانت إدارة الآلات تُسمى بالآلات الافتراضية، حيث يكون لديك خادم مادي تقسمه إلى العديد من الآلات الافتراضية من خلال البرمجيات. يُتيح لنا هذا تشغيل تطبيقات متعددة. تطورت هذه التقنيات على مر العقود العشرة الماضية. وتطورت بشكل كبير لتحقيق كفاءات أعلى في تشغيل المزيد من التطبيقات على البنية التحتية. إن التقسيم الافتراضي ليس على مستوى الآلة بل على مستوى تطبيق واحد أو مجموعة من التطبيقات المترابطة.
إن فرق الأداء والسعر في توظيف مثل هذه التقنيات باستخدام الحوسبة السحابية يُمكن أن يتجاوز 10 إلى 1 بالمقارنة مع مراكز البيانات التقليدية.
كيف ستنتقل خدمات الحكومة إلى أن تكون إلكترونية؟ وما الفائدة التي ستخلقها هذه الخطوة؟
مبادرتنا الثانية تتمثل في إدخال خدمات الحكومة الإلكترونية، والانتقال من الأساليب التقليدية المعتمدة على الورق إلى تلك الإلكترونية. لدينا تعاون مع وزارة الاتصالات، بشكل خاص مع مؤسسة البريد في العراق. يقود هذا المشروع صندوق التنمية العراقي بطريقة مشابهة لمشروع المراكز السحابية للبيانات. تمتلك وزارة الاتصالات من خلال خدمتها البريدية 268 مركزاً في العراق. سيُعاد تأهيل هذه المراكز لتصبح "مجمع الحكومة"، وهو مركز متكامل لخدمات الحكومة الإلكترونية. سيُبدأ في المرحلة الأولى بـ 22 مركزاً يغطون جميع مناطق العراق. وسيعيد المستثمرون تأهيل هذه المراكز لتقديم خدمات البريد وأيضاً خدمات الحكومة الإلكترونية مثل خدمات نقل الملكية كما ذكرت سابقاً، من خلال فريق متخصص يساعد المواطنين في التحقق من وثائقهم قبل تقديمها. يُمكن للمواطنين تقديم طلباتهم لخدمة معينة والانتظار في المركز حتى يُنفذ طلبهم ويُكمل. ستُقلل خدمات الواجهة الأمامية هذه للحكومة الإلكترونية من الوقت والجهد الذي يُصرف في السفر والأوراق للمواطنين.
سنتبع طريقة الـمشاريع المرنة "Agile" لتحقيق هدفنا العام. لذلك، ستُطور برمجيات الوسيطة والواجهة الخلفية لكل خدمة، وسيُدرب فريق العمل المسؤول عن تلك الخدمة بشكل كامل على تشغيل خدمتهم الجديدة التي تتمتع بالتشغيل التلقائي، بحيث نحقق الأتمتة الشاملة بنسبة 360 درجة.
يُقدم العراق حوالي 1200 خدمة. لتحويل هذه الخدمات إلى صيغة إلكترونية، نحتاج إلى مليارات الدولارات وما يصل إلى 5 سنوات من العمل لتحقيق ذلك. طريقة الـمشاريع المرنة هي نهج ناجح وعملي، وهي تعني تنفيذ مشروع واحد في كل مرة. في حالة "مجمع الحكومة"، يتحمل القطاع الخاص مسؤولية تقديم الخدمة مقابل رسوم معينة يدفعها المستخدم بالتنسيق مع صندوق التنمية العراقي. لذلك، أرى هذا الصندوق واحداً من أفضل المبادرات التي بادرت بها الحكومة العراقية حتى الآن. من جهة أخرى، سيُرسل موظفو الحكومة المسؤولون عن إكمال الخدمات الإلكترونية المعنية، مثل عمليات نقل الملكية على سبيل المثال في وزارة العدل، إلى أكاديمية رقمية تقدم تدريباً واختبارات وشهادات. سيساعد ذلك في تأهيل وتطوير الموظفين وتشجيع آخرين أيضاً.
لست ادعو لفرض إجراءات إلزامية، وإنما أبحث عن طرق لزيادة الاهتمام والحماس لدى الناس لاعتماد المبادرات والمضي قدماً في التدريب. قد يتطلب مشروع نقل الملكية ثلاثة أشهر حتى يكتمل.
السؤال التالي، من سينفذ عملية الأتمتة؟ الجواب هو أن هناك العديد من شركات الأتمتة الموجودة في السوق العراقية، وستظهر العديد من الشركات الجديدة، ممّا يخلق العديد من الوظائف المدفوعة بأجر جيد. ونتيجة لذلك، نحقق كل ثلاثة أشهر تقريباً مجموعة من الخدمات المقدمة للمواطنين العراقيين، وقد تكون وزارة الاتصالات هي القادمة. نتوقع أن نكمل 90% من مشاريع الخدمات الإلكترونية خلال عام ونصف. ستُستضاف أتمتة هذه الخدمات على سحابة أوراكل.
لدينا مبادرة ثالثة لنشر استخدام التكنولوجيا والابتكار بين المواطنين العراقيين من خلال نشر خدمات المدينة الذكية بالتنسيق مع البلديات المحلية والمستثمرين من القطاع الخاص.
تتعلق مبادرتنا الرابعة بالمركز الوطني للبيانات، الذي برأيي يُعَدُ خطوة كبيرة حتى الآن. نقترح تحويله إلى "المركز الوطني للمعاملات الرقمية"، الذي لا يتعامل فقط مع البيانات بل يوفر أيضاً خدمات البرمجيات بوصفها خدمة (Software as a Service).
التطبيق الأول الذي يحتاجه الجميع في الحكومة هو البريد الإلكتروني، الذي سيسمح للموظفين بالتواصل إلكترونياً بشكل مهني مع بعضهم البعض ومشاركة الوثائق. إلَّا أنهم سيحتاجون قبله لأدوات لإنشاء مثل هذه الوثائق وإدارتها. يمكن للمركز الوطني الموسع تشغيل هذه التطبيقات كخدمة. تشمل هذه التطبيقات، على سبيل المثال، حزمة مايكروسوفت اوفس 360، بالإضافة إلى نظام إدارة الوثائق المناسب مثل MS Sharepoint. تكمن المشكلة في هذا التحول في أجهزة الكمبيوتر القديمة وأنظمتها التشغيلية العتيقة.
هناك حوالي 750,000 جهاز كمبيوتر في مكاتب الحكومة بعمر متوسط يبلغ 12 عاماً، ممّا يعني أنها قديمة وأن شركات مثل مايكروسوفت لا تدعمها. والأهم من ذلك أن البرامج التي تعمل على هذه الأجهزة متاحة دون تراخيص مناسبة أو بتراخيص منتهية الصلاحية. يحتاج موظفو الحكومة والجمهور إلى أجهزة كمبيوتر جديدة. وقد أظهرت مايكروسوفت اهتماماً كبيراً بالتعاون مع الحكومة العراقية وتقديم خصومات كبيرة على مستوى البلاد.
بالإضافة الى توسيع المركز الوطني إلى المركز الوطني للمعاملات الرقمية، الذي يستضيف ويقدم التطبيقات كخدمة مقابل رسوم معينة، يستبعد الحاجة لأن تمتلك وزارات أخرى أقسام لتكنولوجيا المعلومات (IT) كبيرة تكرر العمل نفسه. بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى أتمتة عمل المؤسسات الحكومية مثل المحاسبة وإدارة الموارد البشرية والتخطيط المالي، أو ما يسمى تخطيط موارد المؤسسات (ERP)، بالإضافة إلى إدارة الموارد التي تساعد في حل مشاكل أصول الدولة بأشكالها وفئاتها المختلفة في جميع الإدارات الحكومية من خلال تطبيقات إدارة المواد. العديد من الشركات العالمية مثل مايكروسوفت وأوراكل وشركة آي بي إم والشركات المحلية قامت ببناء مثل هذه التطبيقات. ليس علينا إعادة اختراع العجلة، يمكننا الاستفادة من التقنيات المتاحة في السوق وتشغيلها كخدمة باستخدام نموذج البرمجيات بوصفها خدمة (SaaS) في مركز البيانات السحابي للمركز الوطني.
هلَّا عرفتنا أكثر على الأكاديمية الرقمية وكيف ستحول خدمات الحكومة؟
الأكاديمية الرقمية تمثل مبادرتنا الخامسة لتحويل العراق رقمياً. الأمية الرقمية منتشرة في العراق، ونحن بحاجة لتعليم وتدريب ملايين العراقيين على استخدام الحواسيب وجميع الأدوات والتطبيقات المرتبطة بها، ودمجها في حياتهم اليومية، سواء في العمل أو في المنزل.
الأكاديمية الرقمية هي أكاديمية افتراضية. نعتزم إنشاء مواصفات لبرامج الأمية الرقمية، بما في ذلك المحتوى المثالي لهذه البرامج، ومستوى المعرفة المطلوب لاعتبار أن المستوى التعليمي والتدريبي قد اكتمل (أي النتائج)، والاختبارات التي يجب إجراؤها للتحقق من اكتمال كل مستوى، والشهادات المرتبطة التي يجب منحها. يجب على الأكاديمية أن تأخذ في اعتبارها جميع الأعمار والأدوار في المجتمع.
نحن نطور هذه البرامج بالتعاون مع المؤسسات التعليمية في العراق والوزارات المعنية حتى يمكن دمجها في المناهج الدراسية من المدارس الابتدائية إلى الكليات. كما نتعاون مع منظمات دولية مثل برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ). سنبحث عن محتوى من شركات موثوقة مثل مايكروسوفت وساب وهواوي وسيسكو واوراكل.
سيساعد هذا في تأهيل وتطوير الموظفين وسيشجع آخرين أيضًا. سيتكون محتوى هذه الأكاديمية من عدة مراحل تدريبية وتعليمية، تبدأ من كيفية تشغيل الحاسوب، والعمل مع مايكروسوفت اوفيس، واستخدام البريد الإلكتروني. الكثير من الأشخاص بحاجة إلى اكتساب مهارات في استخدام برامج الاتصالات. الأمية الرقمية في العراق تسبب ضرراً، والطريقة لحلها هي من خلال التدريب والتعليم. لذا يتمثل هدف الأكاديمية الرقمية في توفير وتطوير المهارات الرقمية الأساسية وصولا إلى المستويات الأعلى مثل تعليم كيفية استخدام أدوات إدارة الموارد البشرية وأدوات المحاسبة بالإضافة إلى مواضيع متقدمة مثل تكوين الشبكات، وتنفيذ تدابير الأمن السيبراني، والتعامل مع الانتهاكات، واستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في الأتمتة، وما إلى ذلك.
من الضروري التأكيد على أنها أكاديمية رقمية بدلاً من كونها أكاديمية طبيعية. لذلك، يجب أن نتفاوض رسميًا مع هذه الشركات لتقديم دورات تدريبية لملايين الموظفين العراقيين بأسعار معقولة. سندعو القطاع الخاص لإنشاء معاهد تعليم وتدريب رقمية تستخدم مواصفات برامجنا، وسنقوم بالتعاون مع الوزارات التي تقدم التعليم لإنشاء نظام لتوثيق هذه المعاهد الحقيقية للتدريب على كل مستوى.
هل هناك أيّ مبادرات تستهدف القطاع المصرفي بشكل خاص؟
المبادرة السادسة تدور حول المصارف العراقية. هناك حوالي 80 مصرفاً في العراق. خدمات مثل تحويل الأموال من بنك إلى آخر لا تزال غير متاحة للمصارف في العراق بسبب غياب نظام المصارف الداخلي الوطني. بالإضافة إلى ذلك، تحويلات الأموال الدولية أيضًا لا تتاح بسهولة. على الرغم من التقدم التكنولوجي، فإن النظام المصرفي العالمي لا يزال يستخدم نظام سويفت - SWIFT، والذي يعتبر في الأساس نظام اتصالات آمن. يعتبر القطاع المصرفي العالمي محافظًا تكنولوجيًا. سويفت، على سبيل المثال، يعادل استخدام جهاز فاكس لإرسال رسالة عندما يكون البريد الإلكتروني متاحًا. التكنولوجيا متقدمة جدًا اليوم. كمثال، يقدم مصرف Revolut الذي يعمل في 31 دولة حول العالم تحويلات فورية للأموال من دولة إلى أخرى بدون الحاجة إلى نظام سويفت.
المُقَسِمْ الوطني (National Switch) يعمل في آلات الصراف الآلي للمصارف المختلفة ولكنه لا يوفر خدمات تحويل الأموال بين المصارف، والمستثمرون مستعدون لبناء نظام مُقَسِمْ وطني لحل هذه المشكلة. يعد هذا المشروع ذو أهمية كبيرة للاقتصاد العراقي، حيث لا يمكن للاقتصاد الازدهار إلا بنظام مصرفي فعال ومؤثر. وسنقود جهود هذه المبادرة بالتعاون مع البنك المركزي العراقي وبالتعاون مع صندوق التنمية العراقي.