تحديد الأطراف المعنية بالعمل المناخي: مؤتمر تسخير الوعي والسياسة والتكنولوجيا
ما زال تغيُر المناخ هو المشكلة الأكثر إلحاحاً من بين كل المشاكل التي تلوح في أفق العالم، وقد طالت تأثيراته العراق كغيره من البلدان. ورغم كون تغيُر المناخ تهديداً طارئاً، إلّا أنّه ما زال من غير الواضح للكثير ممّن يتناولونه في حواراتهم، من هم الأطراف المسؤولة عن مكافحة تغيُر المناخ. ولذلك قررت كابيتا استضافة مؤتمر حول تغيُر المناخ لمناقشة النتائج التي نشرتها في تقرير تخطيط أصحاب المصلحة: "تخطيط أصحاب المصلحة للعمل المناخي: تسخير الوعي والسياسات والتكنولوجيا". كان التخطيط هو اللُبنة الأساسية التي بُنيت عليها الجلسات النقاشية للمؤتمر. أُقيم المؤتمر في 18 آذار2023 في فندق بابل (روتانا) في بغداد واشتمل على ثلاثة جلسات نقاشية عنوان أولها: السياسة واتخاذ القرار في المشاريع المتعلقة بتغيُر المناخ، والجلسة الثانية: التوعية ونشر المعلومات حول تغيُر المناخ، والثالثة: التحول التكنولوجي نحو التخفيف من آثار تغيُر المناخ والتكيف معه.
استهل السيد وكيل وزير البيئة الدكتور جاسم الفلاحي الكلمات الافتتاحية للمؤتمر بكلمة شدد فيها على أهمية مناقشة التحديات التي يفرضها تغيُر المناخ، مشيراً إلى إنّ "المناخ لم يعد قضيةً بيئية فقط، بل أصبح قضية تنمية وأمن وسياسية للجيل الحالي والأجيال القادمة." مضيفاً أنّ هذه الظاهرة "تلحق الضرر بنا جميعاً وستظل تلحقه ما لم نتخذ الإجراءات المناسبة والتشاركية لمواجهته والتعامل مع عواقبه". كما عرَج السيد الوكيل على الدور الذي أدته وزارة البيئة في إدراج العراق في اتفاقية باريس المناخية، والتي يرى أنها "خطوة مهمة نحو تمكين تنمية الاقتصاد العراقي".
وأعقبه في الحديث منسق مجموعة التنمية الاقتصادية وآفاق الحياة لدى المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) الدكتور جون برويشر، الذي أكد أهمية إشراك جميع أصحاب المصلحة في الحوار، مشيراً إلى أنّه "لا يمكننا تجاهل دور أي شخص معني، لأن هذه القضية تتطلب جهوداً مشتركة". ثم ألقى السيد ايرفان ديبل، رئيس مشروع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للشباب في المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، كلمة حول أهمية فهم التأثيرات الأوسع لتغير المناخ. ابْتَدَأَ السيد ايرفان كلمته مقتبساً من مثلٍ يقول "'إنّك إذا فهمت شيئاً ثم لم تحرك ساكناً لمعالجته، فإنك لم تفهمه على الإطلاق.' أعتقد أن هذا المثل يصور لنا حالة تغيُر المناخ وضرورة أن نتحرك لنثبت استيعابنا له." وأضاف أنّه "لا توجد طرقٌ مختصرة للتصدي لتغيُر المناخ، بل علينا أخذ الخطوات اللازمة لمواجهته مواجهةً تامة."
اختتم مدير قسم البحث والتطوير في مركز كابيتا للأعمال السيد محمد جمال الكلمات الافتتاحية بكلمة بيّن فيها دور المؤتمر في جمع أصحاب المصلحة معاً: "مؤتمرنا اليوم هو دعوة مفتوحة للتفكير جماعياً في الحلول لتغيُر المناخ، بالتركيز على المحاور الرئيسية الثلاثة للمؤتمر: التوعية والسياسة والتكنولوجيا."
الجلسة النقاشية الأولى: السياسات وصنع القرار في المشاريع المتعلقة بتغيُر المناخ
انطلقت بعد الكلمات الافتتاحية الجلسة النقاشية الأولى حول السياسات، التي ادارها السيد أحمد الخزرجي، وشملت الأستاذ الدكتور هاشم محمد عبيد ممثل الوكيل الفني لوزير البيئة، والسيد علي رضا قريشي ممثل برنامج الأغذية العالمي في العراق، والسيد هڤال أحمد محمد مدير هيئة حماية وتحسين البيئة في إقليم كردستان، والدكتور نظير عبود فزعه مؤسس منظمة المناخ الأخضر العراقية.
تحدث السيد هاشم محمد عن التزام العراق بمكافحة تغيُر المناخ مؤكداً أنّ "العراق جادٌ في محاربة تغيُر المناخ وأننّا اتخذنا خطواتاً لإعداد المساهمات المحددة وطنياً والورقة الخضراء." بينما تناول ممثل برنامج الأغذية العالمي السيد علي رضا قريشي جانب الأمن الغذائي المتعلق بالمناخ مؤكداً أنّه "يجب على المزارعين في العراق تجنب استخدام تقنيات الزراعة القديمة." وأردف قائلاً "نحن بحاجة إلى تشجيع سياسات دمج التكنولوجيا في الزراعة. هناك دول لديها نقص مياه أكثر من العراق، وتمكنت من دمج التكنولوجيا لإنجاح ذلك".
سلَط السيد هڤال أحمد الضوء على السياسات التي نفذتها حكومة إقليم كردستان بوضعها "خطة لإنشاء خزانات لخزن المياه الفائضة عن الحاجة واستخدامها في أوقات الجفاف وللحد من تأثيرات الفيضانات". وأضاف السيد هڤال أن حكومة الإقليم "قد أنشأت بالفعل 18 خزاناً وهي الآن في طور إنشاء 28 خزان آخر يمكن أن تخدم اهداف متعددة مثل الري وخزن المياه، ويمكن أيضاً الاستفادة منها كمرافق سياحية".
بالإضافة إلى ذلك، تحدث الدكتور نظير عبود عن "الرحلة الشاقة" التي قطعها مع تغيُر المناخ في العراق منذ عام 2007: "كانت الرحلة لتغيير النمط القائم تجاه تغيُر المناخ عسيرة وشاقة، إذ أن البلد يعتمد اعتماداً كبيراً على الوقود الأحفوري." أمّا في جانب السياسات، أضاف الدكتور نظير أنّه "لا يمكن تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً لاتفاقية باريس من دون تحسين وتحديث التشريعات المتعلقة بالبيئة في جميع الجوانب، بما في ذلك القطاع العام والخاص والمجتمع المدني".
الجلسة النقاشية الثانية: إذكاء الوعي ونشر المعلومات حول تغيُر المناخ
تناولت الجلسة الثانية موضوع التوعية وادار حوارها السيد محمد جمال. تحدث في الجلسة عضو مجلس هيئة الإعلام والاتصالات السيد عبد العظيم محمد صالح، وممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق السيد زُبير مرشد، ومؤسس منظمة استدامة مدن الخضراء السيد حيدر الكفيشي، ومدير سلسلة التوريد في شركة كوكاكولا العراق إمير طارق تشولاك.
تحدث السيد عبد العظيم عن التزام هيئة الإعلام والاتصالات بإطلاق حملة توعية حول تغيُر المناخ تشمل حملات ارسال رسائل نصية قصيرة وبث أفلام وثائقية قصيرة تستهدف مختلف القضايا المتعلقة بتغيُر المناخ. أشار ممثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية السيد زُبير مرشد إلى أن واحدة من أقل القضايا التي تناقش والتي يجب أن تُضمَّن في جدول الأعمال التوعوي هي جودة الهواء. مضيفاً أنّه "يمكننا أن نلحظ ارتباط جودة الهواء بزيادة الأمراض، والبصرة مثال صارخ على هذا في العراق نظراً لارتباط انبعاثات الغازات بازدياد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية".
وضَح السيد حيدر الكفيشي أن بغداد كانت مدينة مستدامة في الماضي مبيناً أن "بيوت بغداد كانت مبنية بجوار النهر، بتصميم يولي أولوية للتهوية والحصول على أشعة الشمس على طول 365 يوماً." وأضاف: "أما الآن، يتسبب سوء إدارة استخدام الأراضي في زيادة درجة الحرارة. نحاول أن نوقد الوعي في المجتمع ليرى بوضوح كيف تأثر هذه الظروف على تغيُر المناخ".
ختَم السيد إمير طارق تشولاك النقاش بمشاركته التي أكد فيها على أهمية إعادة التدوير، مبيناً أنّ "كوكاكولا ترغب في إنشاء مواد قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100%." مضيفاً أنّها "تجمع جميع العلب التي تضخها في السوق في العديد من البلدان، وهذا ما سنفعله في العراق أيضاً."
الجلسة الثالثة: التحول التكنولوجي نحو التخفيف من تغيُر المناخ والتكيف معه
ركزت الجلسة الثالثة على التكنولوجيا وادار حوارها السيد أحمد الحمداني وشملت عضو لجنة تغيُر المناخ في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمدير العام لقسم تمكين المرأة الدكتورة أحلام شهيد علي، والأستاذ في جامعة بغداد الدكتور حيدر محمد المنشي، ومدير مشاريع سيواس (CEWAS) السيد مؤنس عبد الصاحب نعمة.
تحدثت الدكتورة أحلام عن دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في التصدي لتغيُر المناخ وسلطت الضوء على المشاريع التي نفذتها الوزارة، بما في ذلك إنشاء عدة أقسام ومراكز بحثية مكرسة لمختلف جوانب تغيُر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، حثّ الدكتور حيدر الحاضرين على الاستثمار في البيئة، مؤكداً أنّه "الاستثمار الوحيد المستدام، فمن خلاله نستثمر في المستقبل وفي صحتنا وتقدم الاقتصاد". في حين أكد السيد مؤنس أنّ "دمج الذكاء الاصطناعي في حلول إدارة المياه أمرٌ بسيط. وسيكون له أثرٌ إيجابي بالغ في تسهيل عمل المزارعين وتحسين الأراضي الزراعية."
لوحة كابيتا لتغيُر المناخ في العراق
في ختام المؤتمر، ارتقى مسؤول البيانات الاقدم في مركز كابيتا للأعمال السيد رياض راضي إلى المنصة لعرض "لوحة كابيتا لتغيُر المناخ في العراق". أشار السيد رياض "أنّنا في كابيتا نؤكد على أهمية دراسة تغيُر المناخ من كل الجوانب الثلاث المذكورة. وانطلاقاً من إيماننا بقيمة القرارات المبنية على البيانات، فقد كرست كابيتا جزءاً كبيراً من عملياتها لتحليل البيانات ونشر الأبحاث. ونظراً لإيماننا بأن الأساس الصحيح هو ذلك الذي يستند إلى البيانات، يسر كابيتا أن تشارك معكم هذه اللوحة البسيطة في ختام المؤتمر، وهي منصة لعرض البيانات الهامة حول تغيُر المناخ في العراق".
ينما عرض السيد رياض البيانات على اللوحة شددَ على بعض الأرقام المهمة وأصحبها بالرسوم والشروحات البيانية. بيَّن السيد رياض أنّ "معظم محافظات العراق عانت من انخفاض واضح في معدل الأمطار في عام 2021 مقارنة بعام 2000. وقد أدى نقص الأمطار هذا إلى حدوث جفاف ملحوظ في معظم البحيرات في العراق من الشمال إلى الجنوب، يصل في بعض الأحيان إلى 80٪ في سد العظيم و50٪ في الأهوار. تسبب كل هذا الجفاف بمشكلة خطيرة أخرى وهي توسع رقعة التصحر. يمكننا رؤية نسبة الأراضي المعرضة لخطر زحف التصحر في مختلف مدن العراق، والتي تتوسع باستمرار. يترافق هذا التصحر أيضاً مع تلوث الهواء الشديد، مما أدى إلى تصنيف العراق ثاني أكثر البلدان تلوثاً في عام 2022".
وختم السيد رياض أنّ "هذه اللوحة هي جزء صغير من سلسلة من اللوحات الأخرى التي تتناول مختلف قطاعات العراق والتي تعمل كابيتا على إعدادها حالياً. إنّ توفير اللوحات المستندة إلى البيانات هو هدف مهم تسعى كابيتا في تحقيقه. وإنّ هذا الهدف هو رؤية مشتركة مع جميع المؤسسات المشاركة معنا اليوم. لذا، ندعوكم لمواصلة هذا الحوار وتحويله إلى تعاون حقيقي للعمل سوياً على حل أزمات المناخ".