ظهور خدمات B2B الجديدة وتبنِّي نَهْج مُرْتَكِزٍ على العملاء: مراكز الاتصال الخارجية مثالاً
محمد جمال
رئيس التحرير، مجلة بزنس لاندسكيب
يدور جدل واسعٌ حول نضج القطاع الخاص العراقي، إذ أكد الكثيرون أنه لا يزال ناشئاً ويأخذ خطواته الأولى نحو المساهمة بشكل كبير في اقتصاد البلاد. وسواء أكنت تتفق مع هذا الرأي أم لا، فإن الإجماع هو أن الشركات الخاصة في العراق لم تتطور بالكامل بعدُ إلى مؤسسات راسخة. ومع ذلك، فان الرقمنة تعمل على تغيير الشركات الخاصة العراقية تغييراً مطَّرِداً.
يزداد انتشار الرقمنة عبر مجموعة واسعة من المؤسسات، من محلات السوبر ماركت الواسعة إلى المتاجر التقليدية المتواضعة ومن مزوِّدي الاتصالات إلى تطبيقات النقل السريع. اليوم، تقريباً أدرجت كل من الشركات العراقية شكلاً من أشكال التواصل عبر الإنترنت مع عملائها. على الرغم من أن الكثيرين قد يفتقرون إلى موقع ويب متطور، فإن مستويات تفاعلهم عالية بشكل مثير للإعجاب على صفحات فيسبوك أو الإنستغرام ، وغالباً ما تتجاوز تلك الموجودة في بعض العلامات التجارية العالمية.
يمر السوق العراقي بثورة، مع تقدير متزايد للخدمات من الدرجة الأولى. يُعَدُّ التحول نحو التجارب التي تتمحور حول العملاء خطوة جديدة وواعدة في تطور القطاع الخاص في البلاد. هذا الاتجاه المتزايد لقنوات التواصل الاجتماعي التجارية عالية التفاعل هو مجرد مثال واحد على هذا التحول.
مثل هذه التطورات في نهج السوق الذي تستخدمه الشركات العراقية تخلق طلباً كبيراً على خدمات معاملات الشركات (B2B). هذه الخدمات ضرورية لمساعدة الشركات على تصميم وتنفيذ استراتيجيات لتزويد عملائها بالمنتجات والخدمات التي يرغبون فيها. يشير التكوين السريع لوكالات إدارة وسائل التواصل الاجتماعي الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر إلى هذا الاتجاه، حيث يغمر الكثيرون الطلب على الخدمة المحسَّنة. كانت خدمات التصميم في السوق العراقي تُعد بمنزلة إضافة مجانية لطلبات الطباعة، اما اليوم يسعى المديرون إلى توظيف مصممين او يفكرون في التعاقد مع وكالات لإدارة التصميم واحتياجات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
في حين أن الطلب على خدمات التصميم والتسويق الرقمي واضح، يمكن للمرء أن يجادل بأن التحول في نهج السوق الذي تتبناه الشركات العراقية سيزيد حتماً من الحاجة إلى المزيد من خدمات B2B. يمكن أن تشمل هذه الخدمات أبحاث السوق والاستشارات الإدارية والتوظيف وتدريب الموظفين والخدمات اللوجستية والعلاقات العامة والاتصالات والبنية التحتية والمبيعات وخدمات ما بعد البيع.
من الأمثلة البارزة على الاحتياجات المتطوِّرة في التحرك نحو نهج يركز على العملاء هو الطلب على وحدات خدمة عملاء فعَّالة، وغالباً ما يتم تقديمها من خلال مراكز الاتصال. مع الدخول الفعال لشركات الاتصالات بعد العام 2003، أصبحت مراكز الاتصال تجربة جديدة للعديد من العراقيين. مع مرور السنين، أنشأت المزيد من الشركات مراكز الاتصال الخاصة بها لتبسيط التواصل مع العملاء والإشارة إلى التزامهم بخدمة موثوقة. ومع ذلك، فإن إنشاء مركز اتصال والحفاظ عليه قد يكون أمراً مُكلِّفاً. تتدخل "اتصالي"، وهي شركة عراقية تقدم خدمات الاستعانة بمصادر خارجية -أو ما يسمى بتعهيد العمل (outsourcing)- لمراكز الاتصال، لتوفير حل قابل للتطبيق. سيشرح لنا السيد ناصر عبد الله، الرئيس التنفيذي لشركة اتصالي، بالتفصيل رؤيته للسوق في الحالة التالية.
حالة مراكز الاتصال الخارجية
ناصر عبد الله
الرئيس التنفيذي لشركة اتصالي
وُجِدت أعمال مراكز الاتصال منذ مدة طويلة في السوق العراقية، وتقدم العديد من خدمات الدعم للشركات الأخرى لتشغيل عملياتها بسلاسة أكبر. يشهد العراق موجة من التحول الرقمي أدت إلى ظهور العديد من الحلول والخدمات التكنولوجية من الأعمال إلى الشركات، كما أكدت على إمكان الاستعانة بمصادر خارجية للخدمات الفنية المتخصصة لتقليل التكاليف التشغيلية والقضاء على الحاجة إلى الخضوع لعمليات توظيف وتدريب صارمة من أجل جذب الخبرة الفنية في المجالات المتخصصة. ومن ثم، فإن الشركات في العراق تدرك بشكل متزايد فوائد الاستعانة بمصادر خارجية لتلك الخدمات.
شَهِدَتِ الأعمال في العراق تحولات كبيرة، مدفوعة بشباب البلد، وزيادة انتشار الإنترنت، وتوقعات المستهلكين المتزايدة. في مثل هذا الوضع الديناميكي، أصبح تقديم خدمة عملاء استثنائية عاملاً محوريّاً في اكتساب ميزة تنافسية. ويمكن أن تكون مراكز الاتصال الخارجية حيوية في تلبية هذه المطالب بكفاءة وفعالية.
يمكن للشركات الاستفادة من مزايا الاستعانة بمصادر خارجية لخدمات مركز الاتصال لتعزيز خدمة العملاء، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، ورفع سُمعة العلامة التجارية الشاملة مع التركيز على كفاءاتهم الأساسية وأهداف نموهم. إحدى المزايا الرئيسية للاستعانة بمصادر خارجية لمراكز الاتصال هي تقليل الكلفة. في العراق، حيث قد تواجه الشركات قيوداً على رأس المال وتحديات في البنية التحتية، فإن القدرة على الاستفادة من موارد وتقنيات مركز الاتصال راسخ يمكن أن تُغيِّر قواعد اللعبة. الاستعانة بمصادر خارجية يلغي الحاجة إلى استثمارات كبيرة مقدماً في البنية التحتية والتوظيف والتدريب، مما يسمح للشركات بإعادة توجيه مواردها المالية نحو مبادرات استراتيجية أخرى، مثل تطوير المنتجات وتوسيع السوق. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تجنُّب النفقات التشغيلية المستمرة، يمكن للشركات الحفاظ على هيكل تكلفة أصغر، مما يُعزِّز قدرتها التنافسية في السوق.
يمكن لمراكز الاتصال الخارجية مواجهة بعض التحديات، مثل تلبية احتياجات شرائح العملاء المختلفة الموجودة في مناطق جغرافية متنوعة في بلد مثل العراق، وهو ما ينعكس انعكاساً كبيراً على سلوك العملاء. بغض النظر عما إذا كان العميل موجوداً في بغداد أو البصرة أو أربيل، يمكنه الاستمتاع بالدعم على مدار الساعة، مما يؤدي إلى زيادة رضا العملاء وولائهم. هذا التوافر المستمر موجود خصوصاً في مجالات مثل التجارة الإلكترونية، حيث يمكن لخدمة العملاء السريعة والمتجاوبة أن تدفع عمليات الشراء المتكررة والإحالات الشفهية الإيجابية.
علاوة على ذلك، فإن الاستعانة بمصادر خارجية لخدمات مركز الاتصال يوفر للشركات العراقية الوصول إلى مجموعة من وكلاء خدمة العملاء المهرة والمدربين جيداً، والذين يتمتعون بمهارة في التعامل مع احتياجات العملاء المختلفة وأنماط الاتصال. هؤلاء الوكلاء متعددو اللغات وعلى دراية كبيرة بالحساسيات الثقافية والسياق المحلي، مما يسمح لهم بالتفاعل بشكل أصلي مع العملاء بلغاتهم الأصلية وبطريقة مُخصَّصة. لذلك، يجب السماح لشركات التوظيف بإقامة علاقات أقوى مع عملائها، وبناء الثقة، وتعزيز العلاقات طويلة الأمد.
في بلد قد تؤدي فيه العوامل الجيوسياسية إلى تقلُّبات دورية في طلب العملاء، تصبح قابلية التوسع عاملاً حاسماً لنجاح الأعمال. تتفوَّق مراكز الاتصال الخارجية في هذا المجال حيث يمكنها ضبط أرقام الوكلاء بناءً على حجم المكالمات، مما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد والخدمة غير المنقطعة. يمكن للشركات التعامل بثقة مع فترات الذروة أو الحملات الترويجية أو الارتفاعات الموسمية دون مخاوف من نقص الموظفين أو زيادة عددهم، ومن ثمَّ الحفاظ على التميز في الخدمة على مدار العام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تجربة العملاء هي التي تُشكِّل تصور العلامة التجارية والولاء والدعوة. من المرجَّح أن يشارك العملاء الراضون تجاربهم الإيجابية مع الأصدقاء والعائلة وأن يروجوا للشركة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت. في المجتمع العراقي المتماسك، يحمل الكلام الشفهي إمكانات هائلة، يمكن لمراكز الاتصال الخارجية تحسين مستويات رضا العملاء بشكل عام، مما يؤدي إلى مراجعات وإحالات إيجابية.
علاوة على ذلك، يمكن أن توفر خدمات مراكز الاتصال الخارجية للشركات العراقية رؤى البيانات. تجمع مراكز الاتصال بيانات قيِّمة في أثناء تفاعلها مع العملاء، والتي يمكن تحليلها لتحديد الاتجاهات والتفضيلات ونقاط الضعف. توفِّر هذه الرؤى معلومات عن السوق، وتُمكِّن الشركات من اتخاذ قرارات تسويقية مستنيرة بالبيانات، وتحسين عروض منتجاتها، وتصميم حملات تسويقية فعَّالة لاستهداف شرائح محدَّدة من العملاء.
تعمل مراكز الاتصال الخارجية في العراق على تحسين الموارد وتعزيز تجارب العملاء وإنشاء إطار تسويقي قوي يغذي نمو الأعمال. من خلال التعاون مع شركاء التعهيد الموثوق بهم، يمكن للشركات العراقية وضع نفسها بوصفها قادة في الصناعة، وتقديم خدمة عملاء لا مثيل لها، وتعزيز علاقات دائمة مع عملائها.
مراكز الاتصال الخارجية مقابل مراكز الاتصال الداخلية